إن الشورى من أهم المبادئ التي تقوم عليها الحياة السياسية في المجتمع الإسلامي الحقيقي، ولقد حث الله عليها في قوله: - تعالى -: "وأمرهم شورى بينهم "، كما التزم بها الرسول والصحابة خلال فترات حكمهم. وتمثل الشورى ضرورة لحفظ كرامة البشر؛ فلا يمكن للإنسان الذي كرمه الله، أن يكون كمًا مهملًا يعيش لمجرد العيش، دون أن يكون له رأي في أمور مجتمعه وبلده، ولكن مع الأسف؛ فإن واقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية بعيد تمامًا عن الشورى، وعن روحها، وحقيقتها؛ فهم إما لا يطبقونها، أو يطبقونها، ولكن بصورة مشوهة مزيفة، ولقد نتج عن ذلك انتشار الاستبداد السياسي والحكم الفردي - في أرجاء العالم الإسلامي - ، مما أدى إلى الكثير من الخراب، وإلى انتشار النفاق والظلم وانعدام المبادئ، وتأخُر الدول العربية والإسلامية في كل المجالات. حول تلك المعاني، يدور هذا الكتاب الذي يعتبر صيحة تحذير من غياب الشورى، واختفاء الحريات العامة، وإهدار كرامات الشعوب.
عندما تمزقت الخلافة، قسّم الاستعمار بلاد المسلمين إلى كيانات منفصلة، انشغل كل منها بنفسه وقضاياه؛ فافتقد المسلمون روح الإسلام الحقيقية، وأضحى الإسلام عندهم في المرتبة الثانية من بعد الأوطان والقوميات، وحتى عندما استفحلت الأزمات السياسية، وجاءت اليهودية هاجمة علينا من كل أطراف الأرض، ورأينا اليهود يعيثون فسادًا في فلسطين باسم التوراة، وجدنا العرب يفعلون عكس ذلك؛ فلم يلجئوا للإسلام، أو يستعينوا به في إقامة نظمهم السياسية والاقتصادية، وهذا أمر عجيب؛ فلماذا تقوم إسرائيل بالاعتماد على الهوية اليهودية بكل هذا الفخر، بينما يستحيي العرب من اللجوء للهوية الإسلامية، وكأن هذا سيقلل منهم!. وكانت نتيجة هذا البعد عن الإسلام أن غابت الشورى، وانتشر الاستبداد السياسي، وساد البلاد العربية عدم احترام حقوق الإنسان، ولم يتوقف الضرر عند المسلمين الذين يعيشون في البلاد العربية فحسب، بل امتد للمسلمين في كل أنحاء العالم؛ فإذا كان المسلم معدوم الكرامة في بلاده التي يمثل فيها أكثرية، ويحكم فيها قيادات مسلمة؛ فلماذا ستُحتَرَم حقوقه في البلاد التي يمثل فيها المسلمون أقلية محكومة بالحكومات الملحدة أو المسيحية أو اليهودية، وكانت النتيجة اضطهاد المسلمين، وتعرضهم للتنمر والنفي والقتل دون أن يساعدهم أحد؛ فمثلًا بعد تقلد الشيوعيين للحكم في (كمبوديا )، انخفض عدد المسلمين من سبعمائة ألف، إلى مائتي ألف مسلم، وتفاوت مصير نصف المليون الباقين بين القتل والفرار. وفي (الكاميرون ) قتل الجيش حوالي ألف مسلم، ما بين رجال ونساء وأطفال، وبمنتهى الوحشية، وذلك ردًا على التمردات التي قام بها بعض مسلمي الشمال؛ اعتراضًا على التفرقة في المعاملة بينهم وبين مسيحيي الجنوب. وهناك العديد من الحوادث الأخرى المماثلة، والتي مرت دون تغطية عربية أو دولية تذكر، وهذا التعتيم الدولي مقصود؛ فدماء المسلمين أرخص دماء على وجه الأرض، ولماذا لا تكون كذلك، وقد تجاهل المسلمون آلام بعضهم البعض، واستغرقوا في المجون، وأهلهم يبادون.
لقد استطاع الاستبداد السياسي - على مر السنين - أن يحظر الحديث في مواضيع معينة في الفقه الإسلامي، وأصبح مطلوبًا من الفقهاء إفاضة الكلام في القضايا التافهة، أما سياسة الحكم والمال فعلاقة الفقه بها شبه مقطوعة، وقد يردد الفقهاء بعض الأقوال المظهرية عن الحكم، والتي لا تؤثر سلبًا - بأي شكل - على الحاكم، وكانت النتيجة المريرة أن حكم المسلمين رجال لا يؤتمنون على شيء، ولا تحركهم إلا غرائز طفولية من جنون العظمة والاستئثار بالسلطة. وتحتوي المجتمعات العربية على الكثير من المواهب الثمينة والكفاءات المثمرة، مثلها مثل المجتمعات الغربية، ولكن الفرق بيننا وبينهم، أنهم وفروا الحريات التي جعلتهم ينتفعون من تلك المواهب وينمونها، أما نحن فننتهج سياسة محاربة الناجحين؛ لأن الحكم الفردي بطبيعته يكره أولي الكفاءات الكبيرة؛ لأنه يخشى أن يظهروا بمظهر أفضل منه؛ لذلك يغلق الأبواب في وجوههم، ولا يعنيه أبدًا أن تُحّرَم الأمة الانتفاع من تلك المواهب التي قد تساعدها على التقدم والتطور؛ فَهَمُّه الوحيد أن ينفرد بالمجد، وليذهب ما عداه إلى الجحيم. وأمام ذوي الكفاءات فرصة واحدة، ليعيشوا في ظل هذا النظام، وهي أن ينضموا لقافلة نفاق ومداهنة الحاكم؛ فيؤذن لهم بالتحرك في حدود ما يشاء هو. وهكذا يبيد الاستبداد السياسي كل أسباب الارتقاء والتقدم.
ومع الاستبداد السياسي، تضطرب موازين العدالة، وتختل أعمال القضاء؛ فالمعارضون يُجتاحون اجتياحًا، وقد تكتفي الحكومة بإبعادهم عن مناصبهم الإدارية، إذا كانت معارضتهم في حدود عدم الموالاة والتأييد للحاكم، أما إذا مست معارضتهم هيبة السلطة وبقاءها؛ فيتم تخوينهم، والزج بهم في السجون والمعتقلات، وتعذيبهم، بل وقتلهم في بعض الأحيان، وكل ذلك دون محاكمات، أو بوجود محاكمات صورية معروفة النتائج؛ حيث يسهل تزوير الأدلة، واختلاق المستندات، وتقديم الشهود الزور، وهكذا فلا وجود لقضاء حقيقي. وقد يظن البعض أن العدالة تختفي في القضايا السياسية فقط، بينما تظهر في الميادين الأخرى، وهذا ليس صحيحًا؛ فالحكم الفردي يشيع في المجتمع بأكمله أخلاقًا هابطة؛ فهو - مثلًا - يقوم بتزوير الانتخابات، وبهذا يشيع سياسة الزور، والرضا بنتائجه، وإطباق الأفواه دون قول الحق، وهو يحابي الأقارب والمنافقين، ويمنحهم من المكانة المادية والأدبية فوق ما يستحقون، وبهذا تشيع النفعية وحب النفس والمحسوبية، ويزداد الأمر سوءًا مع مرور الأيام، حتى لا يبقى - بين الناس - شرف، ولا مبادئ، ولا دين، إلا بضعة مظاهر لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن دور خدام السلاطين يتركز في تحسين القبيح، وتقبيح الحسن، وهناك العديد من المنافقين الذين يرحبون بأداء هذا الدور، ومن ضمنهم، وعاظ السلاطين الذين يلوون حقائق الدين، لما يتناسب مع مصالح الحاكم؛ فهناك من يبرر خروج الحاكم على الشورى، بموقف الرسول مع الصحابة في "صلح الحديبية "، وكيف رفض رأي الجماعة، ونفذ ما رآه في صالح المسلمين. وتجاهل هؤلاء أن هذا هو رسول الله المعصوم من الخطأ، والذي ينزل عليه الوحي من السماء، ولا تنطبق عليه قوانين البشر. كما يسوق هؤلاء موقف (أبي بكر ) في حرب الردة، وكيف كان محقًا عندما مضى على رأيه، رافضًا رأي (عمر بن الخطاب ) وجمهور الصحابة، وفي هذا الأمر مغالطة فاحشة؛ لأن مقاتلة المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة، ليس رأيًا اقترحه (أبو بكر )، أو اجتهادًا خاصًا به، بل إنه أمر منصوص عليه في الكتاب والسنة، وهكذا نفذ (أبو بكر ) ما ثبت في النص، وهذا لا اجتهاد فيه، ولا شورى، ثم من قال إنَّ الصحابة كانوا ضد هذا الموقف؟ فصحيح أن (عمر ) قد ثارت في نفسه شبهة، إلا أنها ما كادت تولد حتى ماتت، وثاب إلى الحق مباشرة بعد سماعه لكلام (أبي بكر )، وكان أول من جند نفسه للعمل معه في ميادين الكفاح التي مهدها وخاض فيها. والذين يسوقون هذه القصص؛ لتجميل الحكم الفردي، وتجاهل رأي الجماعة، يضعون رؤساء المسلمين وملوكهم في مستوى (أبي بكر )، بل في مستوى النبي نفسه، ويجعلون لهم ما كان لهما من حقوق!، ويقولون إنه بما أن الخليفة الأول رفض الشورى، والرسول كذلك لم يلتزم بها في "صلح الحديبية "، إذًا فلأصحاب الفخامة من رؤساء وملوك السوء وعباد المناصب أن يرفضوها أيضًا، وعلى أساس هذا "الفقه المغشوش "، تذهب الشورى في مهب الريح؛ لذلك على الشباب المسلم أن يهتم بدينه، وأن يحسن فقهه؛ حتى لا يقع في فخ هذه الفتاوى الجاهلة الخبيثة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان